ذكرى رحيل الريحاني.. سيد الكوميديا الحزينة

في مثل هذا اليوم من عام 1949، أسدل الستار على حياة أحد أعمدة الفن المصري والعربي، الفنان الكبير نجيب الريحاني، الذي لم يكن مجرد ممثل أو كوميديان، بل كان ظاهرة فنية متفردة رسمت الابتسامة على وجوه الملايين، بينما كانت تخفي بين سطورها مرارة الواقع وأحزان النفس.
وُلد نجيب إلياس ريحانة في حي باب الشعرية بالقاهرة في 21 يناير 1889، لأب عراقي يعمل في تجارة الخيول، وأم مصرية.
نشأ الريحاني في كنف الطبقة المتوسطة، وتلقى تعليمه في مدرسة الفرير الفرنسية، وهو ما أتاح له لاحقًا أن يتقن اللغات، ويثري أعماله بثقافة متنوعة.

بدأ حياته المهنية موظفًا بسيطًا في شركة لإنتاج السكر، لكنه لم يجد في العمل الروتيني شغفه، فقرر أن يسير وراء حلم الفن، وبدأ مسيرته على خشبة المسرح، حيث أسس فرقة مسرحية قدمت عروضًا ذات طابع اجتماعي ساخر، متأثرًا في بداياته بالكوميديا الفرنسية، خاصة أعمال الكاتب "مولير".
شكلت شخصية "كشكش بيه" التي ابتكرها الريحاني نقطة التحول في مشواره الفني. كان كشكش بيه هو المواطن البسيط، الساخر من الطبقات العليا، المتذمر من الفقر، والمعبّر عن آلام الشارع المصري، وقد استطاع الريحاني من خلالها أن يجمع بين الكوميديا والمأساة.

رغم أن الريحاني كان مسرحيًا في المقام الأول، إلا أن دخوله إلى عالم السينما شكّل تجربة ناجحة ومؤثرة، من أشهرها فيلم "غزل البنات" عام 1949، الذي جمعه بليلى مراد ومحمد عبد الوهاب، وكان من إخراج أنور وجدي.
في هذا الفيلم، قدّم الريحاني شخصية "الأستاذ حمام"، مدرس اللغة العربية الطيب الفقير، الذي يقع في حب تلميذته الأرستقراطية. وقد شكل مشهده الختامي وهو يودع حبيبته بحزن وصمت لحظة من أصدق ما قُدم في تاريخ السينما، ليغادر بعدها الحياة في الواقع قبل أن يُعرض الفيلم للجمهور.

لقبه النقاد بـ"سيد الكوميديا الحزينة" لأنه لم يكن يضحك الناس فقط، بل كان يجعلهم يشعرون، ويتأملون.
قال عنه الكاتب الكبير أنيس منصور: "لم يكن الريحاني يضحك الناس فقط، بل كان يجعلهم يبكون دون أن يشعروا... كان فنانًا نادرًا في صدقه، لا يمثل بل يعيش الشخصية".
ورغم مرور أكثر من 75 عامًا على رحيله، لا تزال مقولاته ومشاهده محفوظة في ذاكرة الجمهور، من بينها جملته الشهيرة: “يا قلبي لا تحزن، الضحك نصيبنا والدموع حظنا”.
