نوستالجيا رمضان.. قرآن المغرب مع "قيثارة السماء" الشيخ محمد رفعت
نوستالجيا رمضان.. قرآن المغرب مع "قيثارة السماء" الشيخ محمد رفعت

"الآن نبقى مع قرآن المغرب مع الشيخ محمد رفعت".. ما أن يقول مذيع إذاعة القرآن الكريم تلك الكلمات إلا ويتم الإعلان عن اقتراب موعد أذان المغرب، ليتبقى من الوقت حوالي 40 دقيقة خلالها ينطلق الصوت الملائكي الذي لقب بـ"قيثارة السماء" بتلاوة مباركة تذيب القلب وتنقله إلى أقصى درجات الخشوع والسكينة .
ارتبط صوت الشيخ محمد رفعت ارتباطًا وثيقًا بشهر رمضان وبعد مرور ما يزيد عن 70 عامًا على وفاته، إلا أنه حتى الآن ما أن نستمع إلى صوت قرآن وأذان المغرب بصوته الملائكي.
كفيف وأضاء بصوته صدور المسلمين
فقد الشيخ محمد رفعت بصره وهو في الثانية من عمره ورغم ذلك استطاع حفظ القرآن الكريم في سن صغيرة، واشترك في إحياء الليالي والمأتم في السرادقات، واستطاع صوته أن يصل إلى مشاهير القراء، فانبهروا بصوته المميز فأحبوه وقرروا مساعدته حتى تم تعيينه قارئا في مسجد فاضل باشا بالقاهرة.
كيف بدأ الشيخ محمد رفعت في الإذاعة؟
استمر الشيخ محمد رفعت في تلاوة القرآن الكريم في المساجد حتى عام 1934م وقت افتتاح إذاعة القرآن الكريم، وحينها أصر مدير الإذاعة أن يفتتح البرامج بصوته، ولكن رفض رفعت ذلك بشدة، خشية أن يقرأ القرآن في الحانات أو البارات فيحمل وزرًا على ذلك، وذلك دفعه إلى اللجوء لشيخ الأزهر محمد الأحمدي الظواهري، فأقنعه بقراءة القرآن في الإذاعة، موضحًا أنه حتى إن حدث ذلك، فيكون توعية للغائبين.
وبالفعل اقتنع رفعت وتم افتتاح الإذاعة بسورة الفتح، وتوالت التلاوات حتى ذاع صيت "قيثارة السماء" ووصلت للدول العربية والأجنبية، فأرسلت له الإذاعة البريطانية بي .بي .سي العربية، لتسجيل القرآن الكريم لها، ولكنه رفض أيضًا ظنًا منه أنه لا يجوز قراءة القرآن لغير المسلمين، مما جعله يلجأ مرة أخرى لشيخ الأزهر، فأخبره بأنه غير حرام فسجل لهم بصوته سورة مريم.
أسلوب الشيخ محمد رفعت في تلاوة القرآن
لقد تميز الشيخ محمد رفعت بأسلوبه الفريد في قراءة القرآن الكريم، حيث كان يدمج بين التجويد التام واللحن المميز، وكان يحسن استخدام المقامات الصوتية المختلفة بحيث تتناغم مع معاني الآيات الكريمة، مما يجعل التلاوة لا تتسم فقط بالقدرة على الإقناع بل أيضًا بالقوة العاطفية التي تصل إلى قلب المستمع.
كان الشيخ محمد رفعت يشدد في تلاوته على الحفاظ على توازن الإلقاء بين الحروف العربية والأداء الصوتي بحيث لا يُفقد المعنى الصحيح للآيات.
سرطان الحنجرة أوقفه عن التلاوة
قيل إن سبب فقدان بصر الشيخ محمد رفعت كان الحسد، عندما رأته امرأة وقالت عن عيناه "له عيون ملوك"، ويبدو أن الحسد كان مستمرًا معه فغاب ذلك الصوت الملائكي بعد إصابته بمرض سرطان الحنجرة في عام 1943.
وتوقف قيثارة السماء عن القراءة، فالتف حوله ملوك ورؤساء العالم الإسلامي لمساعدته وتقديم يد العون له، إلا أنه رفض ذلك بشدة، رغم أنه لم يكن يملك تكاليف العلاج، وكانت كلمته المشهورة "قارئ القرآن لا يهان".
وفاة الشيخ محمد رفعت
وفي عام 1950م وتحديدا في التاسع من شهر مايو توفى رفعت في نفس يوم مولده، ورغم مرور ما يزيد عن 70 عامًا على وفاته إلا أنه لازالت تسجيلاته القرآنية تملأ الدنيا خشوعًا وإيمانًا وتجسيدًا لمعاني القرآن الكريم.