باريس تعد مستقبل الذكاء الاصطناعي قمة دولية لاستثمار التكنولوجيا وتنظيمها

تستضيف باريس خلال يومي الاثنين والثلاثاء قمة دولية ضخمة للذكاء الاصطناعي في حدث يعد من أهم الفعاليات العالمية في هذا المجال الحيوي وتأتي هذه القمة تحت شعار "نحو آفاق جديدة" في محاولة لإبراز قدرة أوروبا وبالأخص فرنسا على قيادة التحول الرقمي في عصر تتسارع فيه التطورات التكنولوجية وتتزايد فيه التحديات التي تواجه البشرية وفي ظل تنافس ضاغط بين الولايات المتحدة والصين تسعى باريس لتقديم نموذج بديل يظهر أن الدول الأوروبية قادرة على خلق بيئة تقنية متقدمة ومستقلة.
يشارك في هذه القمة ما يقارب مائة دولة بالإضافة إلى مئات الباحثين وأكاديميين ومطوري التكنولوجيا حيث تتاح الفرصة للحضور لمناقشة الفرص والمخاطر المرتبطة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي وتأثيراتها على مجالات متعددة من الاقتصاد إلى الحياة الاجتماعية ويأتي هذا الحدث بعد سلسلة من ورش العمل التي عقدت في باريس خلال الأيام الماضية حيث تناولت تلك الفعاليات موضوعات متنوعة تتعلق بتطورات الذكاء الاصطناعي وآفاقه المستقبلية.
ومن بين الحضور الرسمي والبارز يتواجد نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس ونائب رئيس الوزراء الصيني بالإضافة إلى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين كما أشارت التقارير إلى مشاركة شخصيات رائدة في قطاع التكنولوجيا مثل سام ألتمان رئيس شركة أوبن إيه آي ومبتكر تطبيق "تشات جي بي تي" وسوندار بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة غوغل، إضافة إلى ديميس هاسابيس الذي يقود أبحاث ديب مايند في شركة غوغل، وشركات كبرى أخرى مثل "أنتروبيك" ويشارك أيضاً كبار المسؤولين من الشركات الصينية مثل علي بابا إلى جانب ممثلين عن شركات أوروبية رائدة.
ولتعزيز قدرة القمة على تحقيق أهدافها تم الإعلان عن مشروعين استثماريين كبيرين الأول يتم بالتعاون مع دولة الإمارات العربية المتحدة حيث تم توقيع اتفاقية خلال زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى باريس ولقائه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المشروع يهدف إلى إنشاء مركز بيانات ضخم للذكاء الاصطناعي على الأراضي الفرنسية بسعة تبلغ 1 غيغاوات لكل مركز مع تقديرات استثمارية تتراوح بين 30 و50 مليار دولار أما المشروع الثاني فيأتي من صندوق الاستثمار الكندي بقيمة تقدر بـ20 مليار يورو مما يعكس جدية الجهود المبذولة لتطوير البنية التحتية الرقمية.
وتولي باريس اهتمام خاص لموضوع الطاقة النظيفة إذ تعتبر من أكبر الدول المنتجة للطاقة النووية حيث تعتمد على 56 مفاعل نووي تنتج نحو 70% من الكهرباء المستهلكة وهو ما يؤهلها لتشغيل مراكز البيانات بكفاءة عالية وبأقل انبعاثات كربونية. وتخطط السلطات الفرنسية لنشر عشرات المفاعلات الصغيرة من الجيل الجديد في السنوات القادمة لتوفير دعم طاقة مستدامة لمشاريع الذكاء الاصطناعي.
وفي سياق آخر يركز منظمو القمة على مسألة الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي وهو موضوع يحظى باهتمام متزايد من قبل قادة العالم تسعى فرنسا إلى التأكيد على أن الذكاء الاصطناعي لا يجب أن يكون لقوى عظمى محددة بل يجب أن يخدم المصلحة العامة ويحدث تأثير إيجابي على المجتمع كما يتم طرح مبادرات لتعزيز الشفافية والأمان ومن ضمنها مبادرة "الذكاء الاصطناعي الحالي" التي تم إطلاقها من قبل تسع دول مع استثمار أولي قدره 400 مليون دولار والتي تهدف إلى تحسين إمكانية الوصول إلى قواعد البيانات في مجالات الصحة والتعليم وتقييم التأثيرات الاجتماعية والبيئية لهذه التكنولوجيا.
من المتوقع عقد جلسة عامة يشارك فيها قادة من حوالي مائة دولة لبحث كيفية تنظيم الذكاء الاصطناعي بصورة تضمن تحقيق التوازن بين الابتكار وحماية الحريات وتأتي هذه الجهود في وقت يشهد فيه العالم تحديات كبيرة إذ أن الذكاء الاصطناعي قد أحدث ثورة سريعة في العديد من المجالات مما يستدعي تعاون دولي لوضع أطر تنظيمية مرنة تضمن استدامة التطور التكنولوجي دون الإخلال بالمصالح المجتمعية.
بهذا تسعى باريس من خلال هذه القمة إلى أن تثبت أنها "عاصمة الذكاء الاصطناعي في العالم" وتبرهن على أن لديها القدرة على قيادة التغيير الرقمي على المستوى الأوروبي والدولي مع التأكيد على أهمية الاستثمار في التقنيات الحديثة وتوفير البنية التحتية اللازمة لتحقيق مستقبل مشرق وآمن للجميع.