في ذكرى وفاته فهمي عبد الحميد وتاريخ من الإبداع في التلفزيون المصري

في مثل هذا اليوم 16 يناير تمر الذكرى الحزينة لوفاة المخرج المصري الكبير فهمي عبد الحميد الذي رحل عن عالمنا في عام 1990 عن عمر يناهز 50 عام يعد عبد الحميد واحد من أبرز المبدعين الذين ساهموا في تطوير فنون الإخراج التلفزيوني خصوصًا في مجالي الفوازير والرسوم المتحركة ترك إرث فني مميز أثر في أجيال من المشاهدين حيث دمج بين الفكرة والابتكار والتقنيات الحديثة مما جعل أعماله حاضرة بقوة في ذاكرة المشاهدين خاصة خلال شهر رمضان ورغم رحيله المفاجئ فإن أعماله التي قدمها ما زالت تلهم المبدعين والمخرجين وتظل جزء لا يتجزأ من التراث الإعلامي المصري.
المخرج الراحل فهمي عبد الحميد من أبرز الشخصيات التي ساهمت في تطوير فنون الإخراج في مصر خصوصًا في مجالات الرسوم المتحركة والفوازير التلفزيونية التي لطالما استمتع بها الجمهور المصري والعربي على حد سواء ولدت عبقريته في مجال الفن المصري والتلفزيون ليضع بصمته الواضحة التي لا تزال تحتفظ بحضورها في أذهان الكثيرين.
النشأة والتعليم
ولد فهمي عبد الحميد في 1 فبراير 1939 في حي العباسية بالقاهرة وهو واحد من الأحياء العريقة في العاصمة المصرية نشأ في بيئة ساعدت في تطوير موهبته الفنية منذ الصغر حيث أظهر اهتمام مبكر بالفنون التشكيلية وتحديدًا الرسم في عام 1956 التحق بكلية الفنون الجميلة في القاهرة حيث تخصص في قسم الحفر وخرج منها عام 1963 بشهادة في هذا المجال في تلك الفترة تأثر بالعديد من الأساتذة الذين قدموا له المساعدة والدعم في تنمية موهبته مما مهد الطريق أمامه للعمل في العديد من مجالات الفنون الإعلامية.
بعد تخرجه من كلية الفنون الجميلة بدأ فهمي عبد الحميد في السعي لتحقيق طموحاته الفنية فكانت البداية في عام 1964 حين انضم إلى التليفزيون المصري ليعمل في قسم الرسوم المتحركة هذه المرحلة كانت حاسمة في مسيرته حيث بدأ في التعلم على يد أساتذة كبار في هذا المجال مثل حسام مهيب وعلي مهيب هذه الفترة كانت بمثابة فترة التلمذة الفنية التي صقلت مهاراته بشكل كبير وفتح أمامه أبواب جديدة في مجال الإخراج التلفزيوني والفني.
الإنجازات البارزة في مسيرته
من أبرز أعمال فهمي عبد الحميد التي شكلت علامة فارقة في مشواره الفني هي الفوازير التلفزيونية التي قدمها في رمضان حيث قدم أفكار جديدة وغير تقليدية لبرامج الفوازير التي كانت تعرض في تلك الفترة كانت بداية هذا الإنجاز الكبير في عام 1974 عندما بدأ بتقديم فوازير رمضان التي لاقت نجاح استثنائي حيث اختار الفنانة نيللي لتقديم الفوازير التي أصبحت جزء من طقوس رمضان في مصر استمر هذا التعاون الناجح لعدة سنوات واستطاع فهمي أن يخلق أجواء مميزة من المرح والفكاهة في كل حلقة من الفوازير.
كواليس إخراج المخرج فهمي عبد الحميد لفوازير "فطوطة" كانت مليئة بالإبداع والتحديات الفنية التي مهدت الطريق لإنتاج عمل مميز لا يزال يذكر حتى اليوم في أثناء التصوير كان عبد الحميد يشرف على كل تفصيل صغير بداية من تصميم الديكورات التي تحمل طابع فانتازيا مناسب لشخصية "فطوطة" التي قدمها سمير غانم مرور باختيار الملابس والأزياء التي تميزت بالألوان الزاهية والمبهجة كما كان يولي اهتمامًا بالغ للإضاءة والموسيقى التصويرية حيث كانت كل مشهد يتطلب تنسيق دقيق بين العناصر المختلفة لإيصال الفكرة المطلوبة عبد الحميد كان يعتمد على العمل الجماعي بين الفنانين وفريق الإنتاج وكان دائمًا يسعى لإضفاء لمسات مبتكرة على كل حلقة من حلقات الفوازير العلاقة بينه وبين سمير غانم كانت مميزة إذ كان عبد الحميد يتعاون مع غانم بشكل وثيق لضمان تقديم الشخصية بشكل كوميدي يلقى إعجاب الجمهور ويعكس المزج الفريد بين الكوميديا والفانتازيا التي كانت سمة رئيسية لعمله كل هذه الجهود جعلت من "فطوطة" واحد من أبرز الأعمال التي قدمها عبد الحميد وأحد أهم الأعمال التي أضفت بريق خاص على تاريخ فوازير رمضان في مصر.
المخرج فهمي عبد الحميد لفوازير "ألف ليلة وليلة" كانت تمثل تحديًا فنيًا كبيرًا، حيث أراد أن يقدم عملًا يدمج بين السحر والخيال ويستعيد الحكايات الشعبية العربية بشكل جديد ومبتكر. كان عبد الحميد يعمل بشكل دؤوب على خلق بيئة بصرية غنية تعكس أجواء القصص الخيالية التي تتمحور حول شخصية "شهريار" وألف ليلة وليلة. تميزت الفوازير بتقديم الحكايات المتداخلة، وهو ما يتطلب تنسيق بين الموسيقى التصويرية والأداء التمثيلي لذا عمل عبد الحميد مع مجموعة من المبدعين في هذا المجال لتحقيق التوازن بين التسلية والإثارة تعاون المخرج مع مجموعة من الفنانين المبدعين مثل شيريهان، يحيى الفخراني، وصابرين، حيث حرص على استعراض موهبتهم بشكل ينسجم مع الأفكار المبدعة التي كان يود تقديمها للجمهور بالإضافة إلى ذلك لم يكن التركيز على الألغاز فقط بل كان يهدف أيضًا إلى تقديم مفردات ثقافية وفنية تعكس التراث العربي. كل هذه العناصر جعلت من "ألف ليلة وليلة" تجربة فنية استثنائية وقد أضافت بصمة واضحة لعبد الحميد في مجال الإخراج التلفزيوني.
أما في عام 1988 فقد قام بالتعاون مع مجموعة من النجوم مثل يحيى الفخراني وصابرين وهالة فؤاد لتقديم فوازير رمضان التي تمزج بين الكوميديا والعناصر المسرحية بطريقة مبتكرة كانت هذه الفوازير تتميز بعروض مميزة وأسلوب مبتكر في الإخراج ما أضاف إلى شهر رمضان بعد جديد من المتعة والترفيه.


إلى جانب الفوازير كان فهمي عبد الحميد معروف بقدرته على تقديم أعمال مبتكرة للأطفال قام بإخراج العديد من أغاني الأطفال التي حققت نجاح واسع في تلك الفترة مثل "أبريق الشاي" للسيد الملاح التي أصبحت واحدة من الأغاني المميزة في فئة أغاني الأطفال في التليفزيون المصري.
بالإضافة إلى ذلك أخرج فهمي برنامج "كشكول" الذي كان من إنتاج صلاح جاهين وقدمته سلمى الشماع وظهرت شخصية كرتونية محبوبة تدعى "سكر" والتي أداها الفنان إبراهيم نصر حيث دمجت الفكرة بين الرسوم المتحركة والواقع في أسلوب مبتكر حاز على إعجاب الصغار والكبار.
كما قدم مسلسل "مبروك جالك ولد" الذي أخرجه بناء على تأليف الكاتب الكبير لينين الرملي وشارك في البطولة كل من نيللي ومحمود عبد العزيز كان هذا المسلسل أحد أبرز أعماله التي تميزت بتقديم مواقف إنسانية وكوميدية مألوفة للشعب المصري مما جعل له شعبية واسعة.
التكريمات والجوائز
إن إسهامات فهمي عبد الحميد لم تقتصر على النجاح الفني وحسب بل نال العديد من الجوائز والتكريمات تقديرًا لموهبته وإبداعاته التي قدمها خلال مسيرته في عام 1978 حصل على شهادة تقدير من اتحاد إذاعات الإخراج عن فوازير رمضان التي قدمها وهو ما يبرهن على تقدير القطاع الإعلامي لفنه كما حصل في عام 1983 على جائزة الإخراج وشهادة تقدير من وزارة الإعلام عن فوازير "فطوطة" إضافة إلى ذلك حصل على العديد من الجوائز الأخرى مثل ميدالية في عيد الإعلام عام 1984 ودرع وزارة الإعلام في العيد الفضي للتليفزيون عام 1985 كل هذه التكريمات أكدت مكانته المرموقة في عالم الإخراج والإعلام المصري.
تزوج فهمي عبد الحميد خلال حياته ورزق بثلاثة أبناء هم: وائل (مخرج تلفزيوني)، محمد، ولمياء (مذيعة) كما كان من المحبين لعائلته وكان يولي اهتمام خاص لهم ورغم حياته المهنية المزدحمة كان دائمًا يهتم بتكوين روابط قوية مع أسرته.
لمياء فهمي عبد الحميد هي إعلامية مصرية بارزة وابنة المخرج الراحل فهمي عبد الحميد الذي كان له تأثير كبير في صناعة الفن والإعلام في مصر نشأت لمياء في بيئة فنية مما أسهم في تشكيل شخصيتها الإعلامي، حيث كانت محاطة بأجواء الفن والإبداع منذ طفولتها بعد إتمام دراستها اختارت لمياء أن تسير على نهج والدها في مجال الإعلام وبدأت مسيرتها كمقدمة برامج في التلفزيون المصري حيث سرعان ما أثبتت نفسها بفضل أسلوبها المتميز والشخصية الكاريزمية التي تتمتع بها.
قدمت لمياء العديد من البرامج الناجحة التي تنوعت بين الحوارية والترفيهية حيث كانت تركز على القضايا الاجتماعية والثقافية وتسلط الضوء على مواضيع هامة من أبرز برامجها برنامج "حوار صريح" الذي كان يشهد استضافة العديد من الشخصيات العامة والفنية حيث تميزت في إدارة الحوار بأسلوب هادئ وراقي جعلها تحظى بشعبية واسعة كما قدمت برنامج "صباح الخير يا مصر" البرنامج الصباحي الشهير الذي تناول مجموعة متنوعة من المواضيع مثل الأخبار المحلية والعالمية والشؤون الاجتماعية والفنية مما جعلها واحدة من أبرز المقدمين في هذا المجال.
برنامج "واحد من الناس" هو أيضًا أحد البرامج التي قدمتها لمياء حيث كان يتميز بجو من الحوار المباشر مع الضيوف واهتمت من خلاله بتسليط الضوء على القضايا الاجتماعية والإنسانية إضافة إلى ذلك كانت لمياء تقدم برامج خاصة في شهر رمضان المبارك التي كانت تتنوع بين الحوارية والفنية حيث حرصت دائمًا على تقديم محتوى مناسب يتماشى مع أجواء الشهر الفضيل.
في 16 يناير 1990 توفي فهمي عبد الحميد عن عمر يناهز 50 عام إثر أزمة قلبية مفاجئة أثناء تصويره لحلقات برنامج "ألف ليلة وليلة" مما شكل صدمة كبيرة لعائلته وجمهوره على حد سواء ورغم رحيله المبكر إلا أن إرثه الفني لا يزال حي في ذاكرة الأجيال الجديدة أعماله لا سيما فوازيره المميزة ما زالت تعرض في رمضان وتستمر في التأثير في الإعلام المصري حتى اليوم.
يعتبر فهمي عبد الحميد من رواد التلفزيون المصري الذين ساهموا بشكل كبير في تطوير الفنون التلفزيونية وخاصة الفوازير والرسوم المتحركة كان له الفضل في إعادة صياغة مفهوم الفوازير التي كانت تقدم بشكل تقليدي إذ أدخل أفكارًا مبتكرة وطريقة تنفيذ جديدة جعلت أعماله محط اهتمام الجميع كما أن تأثيره امتد ليشمل العديد من المخرجين الذين يعتبرون أعماله مصدر إلهام في مجال الإخراج التلفزيوني والفني.