الدكتور مصطفى مشرفة رائد الفيزياء والرياضيات في العالم العربي
الدكتور مصطفى مشرفة هو أحد أبرز العلماء في تاريخ مصر والعالم العربي وقد لمع اسمه كواحد من الرواد في الفيزياء والرياضيات النظرية بفضل إنجازاته وتفانيه العلمي حاز على تقدير دولي وشهرة واسعة خاصة لكونه كان من القلائل الذين ساهموا في فهم بعض جوانب الفيزياء النظرية المعقدة في زمنه
نشأته وتعليمه
ولد مصطفى مشرفة في 11 يوليو 1898 في مدينة دمياط بمصر كان من عائلة متوسطة وظهرت عليه علامات النبوغ منذ صغره إذ كان يمتلك قدرة استثنائية على الفهم والاستيعاب بعد إتمامه المرحلة الابتدائية التحق بمدرسة المعلمين العليا حيث أظهر تفوقًا كبيرًا في مادة الرياضيات تخرج بتفوق مما دفع الحكومة المصرية إلى منحه منحة دراسية لمواصلة دراسته في الخارج، فأكمل تعليمه في جامعة لندن بإنجلترا
حصل مشرفة على درجة البكالوريوس في الرياضيات من جامعة نوتنغهام ثم قرر التعمق في مجال الفيزياء نال درجة الدكتوراه من جامعة لندن تحت إشراف العلماء المعروفين في مجاله وأصبح أول مصري وعربي يحصل على درجة الدكتوراه في العلوم
بعد عودته إلى مصر عمل مشرفة أستاذا في جامعة القاهرة وسرعان ما أصبح عميدًا لكلية العلوم خلال عمله في الجامعة لم يكن يكتفي بالتدريس بل كان يشارك بنشاط في الأبحاث العلمية خاصة في مجال الفيزياء النظرية قاد أبحاثا عن النسبية وأشعة غاما والطاقة الذرية وقد ألهمت هذه الأبحاث العديد من الطلاب والباحثين في مصر وخارجها
لقد ترك الدكتور مشرفة أثرًا لا يمحى في عالم الفيزياء كما أنه ساهم بشكل كبير في إلهام أجيال جديدة من العلماء في العالم العربي يتذكره التاريخ كأحد العلماء العظماء الذين أسهموا في النهضة العلمية في مصر والعالم العربي ومنذ وفاته يعتبر من رواد البحث العلمي الذين لم يأخذوا حقهم من الشهرة بقدر إسهاماتهم
خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين بدأ الدكتور مصطفى مشرفة في دراسة معادلات ماكسويل والنسبية الخاصة وقد أظهرت أبحاثه اهتمامًا كبيرًا بفهم تأثيرات هذه النظريات على الفيزياء في تلك الفترة، بدا مشرفة في مراسلة العالم الشهير ألبرت أينشتاين مما يعكس العلاقة العلمية الوثيقة التي ربطت مشرفة بالعلماء البارزين في عصره عند بلوغه سن الخامسة والعشرين نشر مشرفة أول بحثين له في عام 1922 وهما البحثان اللذان نال عليهما درجة الدكتوراه في فلسفة العلوم ثم قدم العديد من الأبحاث المتقدمة في ميكانيكا الكم بما في ذلك تطبيقات تأثيرات زيمان وشتارك وقد أدى ذلك إلى حصوله على درجة دكتوراه في العلوم
طوال مسيرته العلمية نشر مشرفة 25 ورقة علمية في مجلات علمية مرموقة تناولت موضوعات مثل نظرية النسبية والعلاقة بين المادة والإشعاع كما اهتم مشرفة بشدة بتبسيط العلوم وإيصالها إلى الجمهور العادي كان يعتبر أن دور العلم في تقدم الأمم يعتمد على انتشاره بين جميع طوائف الشعب حتى وإن لم يكونوا متخصصين. لهذا كان يحرص على تبسيط الألغاز العلمية في كتبه لتصبح مفهومة للجميع وقد كتب حوالي 12 كتابًا في مجالات النسبية والرياضيات بالإضافة إلى ترجمة 10 كتب في علم الفلك والرياضيات إلى اللغة العربية
من أبرز مؤلفاته: "الميكانيكا العلمية والنظرية"، "الهندسة الوصفية"، "مطالعات علمية"، "النظرية النسبية الخاصة"، "حساب المثلثات المستوية"، و"الذرة والقنابل الذرية". وتم ترجمة كتبه حول النسبية إلى عدة لغات، مثل الإنجليزية والفرنسية والألمانية والبولندية
إضافة إلى إنجازاته العلمية، كان مشرفة نشطًا في المجال الأكاديمي، حيث أسس ورأس الجمعية المصرية للعلوم الرياضية والفيزيائية في عام 1936 وكان له دور بارز في تأسيس الأكاديمية المصرية للعلوم كما وضع نظام التعليم والدراسات العليا في قسمي الرياضيات والفيزياء بكلية العلوم جامعة القاهرة، مما رفع مستوى التعليم العلمي في مصر إلى مستوى معادل للمؤسسات البريطانية
كان مشرفة أيضًا مهتمًا بتاريخ العلم، حيث قام بدراسة مساهمات العلماء العرب في العصور الوسطى وساهم في نشر كتاب "الخوارزمي" في الرياضيات مع أحد طلابه محمد مرسي أحمد علاوة على ذلك كان مشرفة مهتمًا بالعلاقة بين الموسيقى والرياضيات وساهم في تأسيس المجتمع المصري لمشجعي الموسيقى في عام 1945
كان الدكتور مصطفى مشرفة من الرواد الأوائل الذين حاولوا التفاعل مع نظرية النسبية لأينشتاين وفهم أبعادها وقد قام بنشر أبحاث حول الطاقة الذرية وأشعة غاما حيث قدم إسهامات جليلة في هذا المجال يقال إنه كان من العلماء الأوائل الذين حاولوا تفسير علاقة المادة بالطاقة من خلال مفاهيم النسبية العامة وكانت له رؤية استشرافية حول تأثيرات هذه المفاهيم في المستقبل
كما ساهم مشرفة في تطوير بعض النظريات المتعلقة بالذرة حيث تنبأ بعدة مفاهيم حول تفاعلات الطاقة الذرية لقد كان يعتبر أن فهم هذه التفاعلات سيغير وجه العالم وهذا ما تأكد لاحقًا بعد ظهور التطبيقات النووية بالإضافة إلى ذلك كان لمشرفة عدة إسهامات في العلوم التطبيقية حيث ساعد في تطوير طرق تعليم الفيزياء والرياضيات وكتب مقالات وكتبًا علمية هدفت إلى تبسيط العلوم للشباب العرب
خلال مسيرته العلمية حصل مشرفة على العديد من الجوائز والتكريمات بفضل جهوده وإنجازاته البارزة حصل على عضوية الجمعية الملكية البريطانية وهو تكريم لا يمنح إلا لقلائل من العلماء كما حاز على وسام العلوم والفنون المصري تقديرًا لإسهاماته العلمية،واعتبر رمزًا للعلماء العرب في فترة العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين
توفي الدكتور مصطفى مشرفة بشكل مفاجئ في 15 يناير 1950 وسط ظروف غامضة وهناك تكهنات حول أسباب وفاته المفاجئة التي جعلت البعض يتساءل إذا ما كانت عملية اغتيال لتقويض تطور العلوم في العالم العربي بالرغم من رحيله المبكر إلا أن إرثه العلمي ظل مستمرًا كانت أبحاثه العلمية مصدر إلهام للعديد من العلماء الذين جاءوا بعده ولا تزال مؤلفاته تدرس في بعض الجامعات